يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ (13)
وإيلاج الليل في النهار والنهار في الليل قد يعني ذينك المشهدين الرائعين . مشهد دخول الليل في النهار , والضياء يغيب قليلاً قليلاً , والظلام يدخل قليلاً قليلاً حتى يكون الغروب وما يليه من العتمة البطيئة الدبيب . ومشهد دخول النهار في الليل حينما يتنفس الصبح , وينتشر الضياء رويداً رويداً , ويتلاشى الظلام رويداً رويداً , حتى تشرق الشمس ويعم الضياء . . كذلك قد يعني طول الليل وهو يأكل من النهار وكأنما يدخل فيه . وطول النهار وهو يأكل من الليل وكأنما يدخل فيه . . وقد يعنيهما معاً بتعبير واحد . وكلها مشاهد تطوّف بالقلب
في سكون , وتغمره بشعور من الروعة والتقوى ; وهو يرى يد الله تمد هذا الخط , وتطوي ذاك الخط , وتشد هذا الخيط وترخي ذاك الخيط . وفي نظام دقيق مطرد لا يتخلف مرة ولا يضطرب . ولا يختل يوماً أو عاماً على توالي القرون . .
الدرس السادس:13 - 14 الله المالك والشركاء فقراء عاجزون
الدرس الخامس:13 التذكير بالنعمة في الليل والنهار والشمس والقمر
ويختم هذا المقطع بجولة كونية في مشهد الليل والنهار . ثم في تسخير الشمس والقمر وفق النظام المرسوم لجريانهما إلى الأجل المعلوم:
يولج الليل في النهار , ويولج النهار في الليل . وسخر الشمس والقمر , كل يجري لأجل مسمى . .
وإيلاج الليل في النهار والنهار في الليل قد يعني ذينك المشهدين الرائعين . مشهد دخول الليل في النهار , والضياء يغيب قليلاً قليلاً , والظلام يدخل قليلاً قليلاً حتى يكون الغروب وما يليه من العتمة البطيئة الدبيب . ومشهد دخول النهار في الليل حينما يتنفس الصبح , وينتشر الضياء رويداً رويداً , ويتلاشى الظلام رويداً رويداً , حتى تشرق الشمس ويعم الضياء . . كذلك قد يعني طول الليل وهو يأكل من النهار وكأنما يدخل فيه . وطول النهار وهو يأكل من الليل وكأنما يدخل فيه . . وقد يعنيهما معاً بتعبير واحد . وكلها مشاهد تطوّف بالقلب
في سكون , وتغمره بشعور من الروعة والتقوى ; وهو يرى يد الله تمد هذا الخط , وتطوي ذاك الخط , وتشد هذا الخيط وترخي ذاك الخيط . وفي نظام دقيق مطرد لا يتخلف مرة ولا يضطرب . ولا يختل يوماً أو عاماً على توالي القرون . .
وتسخير الشمس والقمر وجريانهما للأجل المرسوم لهما , والذي لا يعلمه إلا خالقهما . . هو الآخر ظاهرة يراها كل إنسان , سواء كان يعلم أحجام هذين الجرمين , ونوعهما من النجوم والكواكب ومدارهما ودورتهما ومداها:أم لا يعلم من هذا كله شيئاً . . فهما بذاتهما يظهران ويختفيان أمام كل إنسان , ويصعدان وينحدران أمام كل بصر . وهذه الحركة الدائبة التي لا تفتر ولا تختل حركة مشهودة لا يحتاج تدبرها إلى علم وحساب ! ومن ثم فهي آية معروضة في صفحة الكون لجميع العقول وجميع الأجيال على السواء . وقد ندرك نحن اليوم علمها الظاهر أكثر مما كان يدرك المخاطبون بهذا القرآن لأول مرة . وليس هذا هو المهم . إنما المهم أن توحي إلينا ما كانت توحيه إليهم , وأن تهز قلوبنا كما كانت تهز قلوبهم , وأن تثير فينا من التدبر ورؤية يد الله المبدعة وهي تعمل في هذا الكون العجيب ما كانت تثير فيهم . . والحياة حياة القلوب . .
الدرس السادس:13 - 14 الله المالك والشركاء فقراء عاجزون
وفي ظل تلك المشاهد المتنوعة العميقة الدلالة القوية السلطان يعقب بتقرير حقيقة الربوبية , وبطلان كل ادعاء بالشرك , وخسران عاقبته يوم القيامة:
(ذلكم الله ربكم له الملك , والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير . إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم . ولو سمعوا ما استجابوا لكم . ويوم القيامة يكفرون بشرككم . ولا ينبئك مثل خبير). .
ذلكم . الذي أرسل الرياح بالسحاب , والذي أحيا الأرض بعد موتها , والذي خلقكم من تراب , والذي جعلكم أزواجاً , والذي يعلم ما تحمل كل أنثى وما تضع , والذي يعلم ما يعمر وما ينقص من عمره , والذي خلق البحرين , والذي يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى . . ذلكم هو (الله ربكم). .
(له الملك). . (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير). . والقطمير غلاف النواة ! وحتى هذا الغلاف الزهيد لا يملكه أولئك الذين يدعونهم من دون الله !
ثم يمعن في الكشف عن حقيقة أمرهم .
(إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم). .
إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)
فهم أصنام أو أوثان أو أشجار , أو نجوم أو كواكب , أو ملائكة أو جن . . وكلهم لا يملكون بالفعل قطميراً . وكلهم لا يسمعون لعبادهم الضالين . سواء كانوا لا يسمعون أصلاً , أو لا يسمعون لكلام البشر . .
(ولو سمعوا ما استجابوا لكم). .
كالجن والملائكة . فالجن لا يملكون الاستجابة . والملائكة لا يستجيبون للضالين .
هذه في الحياة الدنيا . فأما يوم القيامة فيبرأون من الضلال والضالين:
(ويوم القيامة يكفرون بشرككم). .
يحدث بهذا الخبير بكل شيء , وبكل أمر , وبالدنيا والآخرة:
(ولا ينبئك مثل خبير). .
وبهذا ينتهي هذا المقطع , وتختم هذه الجولات والمشاهد في تلك العوالم ; ويعود القلب البشري منها بزاد يكفيه حياته كلها لو ينتفع بالزاد . وإنه لحسب القلب البشري مقطع واحد من سورة واحدة لو كان الذي يريد هو الهدى , ولو كان الذي يطلب هو البرهان !
الوحدة الرابعة:15 - 26 الموضوع:غنى الله وقدرته وعجز البشر وفردية التبعة وعدم مساواة المؤمنين بالكافرين
مرة أخرى يرجع إلى الهتاف بالناس أن ينظروا في علاقتهم بالله , وفي حقيقة أنفسهم ; ويرجع إلى الرسول [ ص ] بالتسلية عما يلقى , والتسرية عما يجد من إعراض وضلال - كالشأن في المقطع الثاني من السورة - ويزيد هنا الإشارة إلى أن طبيعة الهدى غير طبيعة الضلال , وأن الاختلاف بين طبيعتهما أصيل
يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17)
عميق كأصاله الاختلاف بين العمى والبصر والظلمات والنور والظل والحرور والموت والحياة . وأن بين الهدى والبصر والنور والظل والحياة صلة وشبهاً , كما ان بين العمى والظلمة والحرور والموت صلة وشبهاً ! ثم تنتهي الجولة بإشارة إلى مصارع المكذبين للتنبيه والتحذير .
الدرس الأول:15 - 17 فقر الناس وعجزهم أمام غنى الله وقوته
(يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله , والله هو الغني الحميد , إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد , وما ذلك على الله بعزيز). .
إن الناس في حاجة إلى تذكيرهم بهذه الحقيقة في معرض دعوتهم إلى الهدى , ومجاهدتهم ليخرجوا مما هم فيه من الظلمات الى نور الله وهداه . في حاجة الى تذكيرهم بأنهم هم الفقراء المحاويج إلى الله . وأن الله غني عنهم كل الغنى . وأنهم حين يدعون إلى الإيمان بالله وعبادته وحمده على آلائه فإن الله غني عن عبادتهم وحمدهم , وهو المحمود بذاته . وأنهم لا يعجزون الله ولا يعزون عليه فهو إن شاء أن يذهب بهم ويأتي بخلق جديد من جنسهم أو من جنس آخر يخلفهم في الأرض , فإن ذلك عليه يسير . .
الناس في حاجة إلى أن يذكروا بهذه الحقيقة , لئلا يركبهم الغرور وهم يرون أن الله - جل وعلا - يعنى بهم , ويرسل إليهم الرسل ; ويجاهد الرسل أن يردوهم عن الضلالة الى الهدى , ويخرجوهم من الظلمات إلى النور . ويركبهم الغرور فيظنون أنهم شيء عظيم على الله ! وأن هداهم وعبادتهم تزيد شيئاً في ملكه تعالى ! والله هو الغني الحميد .
وإن الله سبحانه يمنح العباد من رعايته , ويفيض عليهم من رحمته , ويغمرهم بسابغ فضله - بإرسال رسله إليهم , واحتمال هؤلاء الرسل ما يحتملون من إعراضهم وإيذائهم , وثباتهم على الدعوة إلى الله بعد الإعراض والإيذاء . . إن الله سبحانه إنما يعامل عباده هكذا رحمة منه وفضلاً وكرماً ومناً . لأن هذه صفاته المتعلقة بذاته . لا لأن هؤلاء العباد يزيدون في ملكه شيئاً بهداهم , أو ينقصون من ملكه شيئاً بعماهم . ولا لأن هؤلاء العباد مخلوقات نادرة عزيزة صعبة الإعادة أو الاستبدال , فيغتفر لهم ما يقع منهم لأنهم صنف لا يعاد ولا يستبدل .
وإن الإنسان ليدهش ويحار في فضل الله ومنه وكرمه , حين يرى هذا الإنسان
الصغير الضئيل الجاهل القاصر , الضعيف العاجز , ينال من عناية الله ورعايته كل هذا القدر الهائل !
الصغير الضئيل الجاهل القاصر , الضعيف العاجز , ينال من عناية الله ورعايته كل هذا القدر الهائل !
والإنسان ساكن صغير من سكان هذه الأرض . والأرض تابع صغير من توابع الشمس . والشمس نجم مما لا عد له ولا حصر من النجوم . والنجوم إن هي إلا نقط صغيرة - على ضخامتها الهائلة - متناثرة في فضاء الكون الذي لا يعلم الناس حدوده . وهذا الفضاء الذي تتناثر فيه تلك النجوم كالنقط التائهة إن هو إلا بعض خلق الله !
ثم ينال الإنسان من الله كل هذه الرعاية . . ينشئه , ويستخلفه في الأرض , ويهبه كل أدوات الخلافة - سواء في تكوينه وتركيبه أو تسخير القوى والطاقات الكونية اللازمة له في خلافته - ويضل هذا المخلوق ويتبجح حتى ليشرك بربه أو ينكره . فيرسل الله إليه الرسل , رسولاً بعد رسول , وينزل على الرسل الكتب والخوارق . ويطرد فضل الله ويفيض حتى لينزل في كتابه الأخير للبشر قصصاً يحدث بها الناس , ويقص عليهم ما وقع لأسلافهم , ويحدثهم عن ذوات أنفسهم , ويكشف لهم عما فيها من قوى وطاقات , ومن عجز وضعف , بل إنه - سبحانه - ليحدث عن فلان وفلان بالذات , فيقول لهذا:أنت فعلت وأنت تركت ,
وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18) وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21)
ويقول لذاك:هاك حلاً لمشكلتك , وهاك خلاصاً من ضيقتك !
كل ذلك , وهذا الإنسان هو الساكن الصغير من سكان هذه الأرض , التابعة الصغيرة من توابع الشمس , التائهة في هذا الوجود الكبير حتى ما تكاد تحس ! والله - سبحانه - هو فاطر السماوات والأرض , وخالق هذا الوجود بما فيه ومن فيه بكلمة . بمجرد توجه الإرادة . وهو قادر على ان يخلق مثله بكلمة وبمجرد توجه الإرادة . .
والناس خلقاء أن يدركوا هذه الحقيقة ليدركوا مدى فضل الله ورعايته ورحمته , وليستحيوا أن يستجيبوا للفضل الخالص والرعاية المجردة والرحمة الفائضة بالإعراض والجحود والنكران .
فهي من هذه الناحية لمسة وجدانية موحية , الى جانب أنها حقيقة صادقة واقعة . والقرآن يلمس بالحقائق قلوب البشر , لأن الحقيقة حين تجلى أفعل في النفس , ولأنه هو الحق وبالحق نزل . فلا يتحدث إلا بالحق , ولا يقنع الا بالحق , ولا يعرض إلا بالحق , ولا يشير بغير الحق . .
الدرس الثاني 18 فردية التبعة والحساب والمستفيد من الإنذار
ولمسة أخرى بحقيقة أخرى . حقيقة فردية التبعة , والجزاء الفردي الذي لا يغني فيه احد عن أحد شيئاً . فما بالنبي [ ص ] من حاجة الى هدايتهم يحققها لنفسه , فهو محاسب على عمله وحده , كما أن كلاً منهم محاسب على ما كسبت يداه , يحمل حمله وحده , لا يعينه أحد عليه . ومن يتطهر فإنما يتطهر لنفسه , وهو الكاسب وحده لا سواه ; والأمر كله صائر إلى الله:
(ولا تزر وازرة وزر أخرى . وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى). . .
(ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه , وإلى الله المصير). .
وحقيقة فردية التبعة والجزاء ذات أثر حاسم في الشعور الأخلاقي , وفي السلوك العملي سواء . فشعور كل فرد بأنه مجزيُّ بعمله , لا يؤاخذ بكسب غيره , ولا يتخلص هو من كسبه , عامل قوي في يقظته لمحاسبة نفسه قبل ان تحاسب ! مع التخلي عن كل أمل خادع في أن ينفعه أحد بشيء , أو أن يحمل عنه أحد شيئاً . كما أنه - في الوقت ذاته - عامل مطمئن , فلا يقلق الفرد خيفة أن يؤخذ بجريرة الجماعة , فيطيش وييئس من جدوى عمله الفردي الطيب . ما دام قد أدى واجبه في النصح للجماعة ومحاولة ردها عن الضلال بما يملك من وسيلة .
إن الله - سبحانه - لا يحاسب الناس جملة بالقائمة ! إنما يحاسبهم فرداً فرداً ; كل على عمله , وفي حدود واجبه . ومن واجب الفرد أن ينصح وأن يحاول الإصلاح غاية جهده . فإذا قام بقسطه هذا فلا عليه من السوء في الجماعة التي يعيش فيها , فإنما هو محاسب على إحسانه . كذلك لن ينفعه صلاح الجماعة إذا كان هو بذاته غير صالح . فالله لا يحاسب عباده بالقائمة كما أسلفنا !
والتعبير القرآني يصور هذه الحقيقة على طريقة التصوير في القرآن , فتكون أعمق وأشد أثراً . يصور كل نفس حاملة حملها . فلا تحمل نفس حمل آخرى وحين تثقل نفس بما تحمل ثم تدعو أقرب الأقرباء ليحمل عنها شيئاً , فلن تجد من يلبي دعاءها ويرفع عنها شيئاً مما يثقلها !
إنه مشهد القافلة كل من فيها يحمل أثقاله ويمضي في طريقه , حتى يقف أمام الميزان والوزّان ! وهي في وقفتها يبدو على من فيها الجهد والإعياء , واهتمام كل بحمله وثقله , وانشغاله عن البعداء والأقرباء !
وعلى مشهد القافلة المجهدة المثقلة , يلتفت إلى رسول الله - [ ص ]:
(إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب واقاموا الصلاة). .
فهؤلاء هم الذين يفلح فيهم الإنذار . هؤلاء الذين يخشون ربهم ولم يشاهدوه . ويقيمون الصلاة ليتصلوا بربهم ويعبدوه . هؤلاء هم الذين ينتفعون بك , ويستجيبون لك . فلا عليك ممن لا يخشى الله ولا يقيم الصلاة .
ومن تزكى فأنما يتزكى لنفسه . .
لا لك . ولا لغيرك . إنما هو يتطهر لينتفع بطهره . والتطهر معنى لطيف شفاف . يشمل القلب وخوالجه ومشاعره , ويشمل السلوك واتجاهاته وآثاره . وهو معنى موح رفاف .
(وإلى الله المصير). .
وهو المحاسب , والمجازي , فلا يذهب عمل صالح , ولا يفلت عمل سيىء . ولا يوكل الحكم والجزاء إلى غيره ممن يميلون أو ينسون أو يهملون . .
الدرس الثالث:19 عدم تساوي المتناقضين كالمؤمن والكافر
ولن يستوي عند الله الإيمان والكفر , والخير والشر , والهدى والضلال ; كما لا يستوي العمى والبصر , والظلمة والنور , والظل والحرور , والحياة والموت , وهي مختلفة الطبائع من الأساس:
وما يستوي الأعمى والبصير . ولا الظلمات ولا النور . ولا الظل ولا الحرور . وما يستوي الأحياء ولا الأموات . .
وبين طبيعة الكفر وطبيعة كل من العمى والظلمة والحرور والموت صلة . كما أن هناك صلة بين طبيعة الإيمان وطبيعة كل من النور والبصر والظل والحياة . .
إن الإيمان نور , نور في القلب ونور في الجوارح , ونور في الحواس . نور يكشف حقائق الأشياء والقيم والأحداث وما بينها من ارتباطات ونسب وأبعاد . فالمؤمن ينظر بهذا النور , نور الله , فيرى تلك الحقائق , ويتعامل معها , ولا يخبط في طريقه ولا يلطش في خطواته !
والإيمان بصر , يرى . رؤية حقيقية صادقة غير مهزوزة ولا مخلخلة . ويمضي بصاحبه في الطريق على نور وعلى ثقة وفي اطمئنان .
والإيمان ظل ظليل تستروحه النفس ويرتاح له القلب , ظل من هاجرة الشك والقلق والحيرة في التيه المظلم بلا دليل !
والإيمان حياة . حياة في القلوب والمشاعر . حياة في القصد والاتجاه . كما أنه حركة بانية . مثمرة . قاصدة . لا خمود فيها ولا همود . ولا عبث فيها ولا ضياع .
والكفر عمى . عمى في طبيعة القلب . وعمى عن رؤية دلائل الحق . وعمى عن رؤية حقيقة الوجود . وحقيقة الإرتباطات فيه . وحقيقة القيم والأشخاص والأحداث والأشياء .
والكفر ظلمة أو ظلمات . فعندما يبعد الناس عن نور الإيمان يقعون في ظلمات من شتى الأنواع والأشكال . ظلمات تعز فيها الرؤية الصحيحة لشيء من الأشياء .
والكفر هاجرة . حرور . تلفح القلب فيه لوافح الحيرة والقلق وعدم الاستقرار على هدف , وعدم الاطمئنان إلى نشأة أو مصير . ثم تنتهي إلى حر جهنم ولفحة العذاب هناك !
والكفر موت . موت في الضمير . وانقطاع عن مصدر الحياة الأصيل . وانفصال عن الطريق الواصل .
0 التعليقات:
إرسال تعليق