يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3)
يفتحها . . (وهو العزيز الحكيم). .
وهكذا أنشأ القرآن بمثل هذه الآية وهذه الصورة تلك الفئة العجيبة من البشر في صدر الإسلام . الفئة التي صنعت على عين الله بقرآنه هذا لتكون أداة من أدوات القدرة , تنشىء في الأرض ما شاء الله أن ينشىء من عقيدة وتصور , وقيم وموازين , ونظم وأوضاع . وتقر في الأرض ما شاء الله أن يقر من نماذج الحياة الواقعة التي تبدو لنا اليوم كالأساطير والأحلام . الفئة التي كانت قدراً من قدر الله يسلطه على من يشاء في الأرض فيمحو ويثبت في واقع الحياة والناس ما شاء الله من محو ومن إثبات . ذلك أنها لم تكن تتعامل مع ألفاظ هذا القرآن , ولا مع المعاني الجميلة التي تصورها . . وكفى . . ولكنها كانت تتعامل مع الحقيقة التي تمثلها آيات القرآن , وتعيش في واقعها بها ولها . .
ويبقى أن أتوجه أنا بالحمد لله على رحمة منه خاصة عرفتها منه في هذه الآية . .
لقد واجهتني هذه الآية في هذه اللحظة وأنا في عسر وجهد وضيق ومشقة . واجهتني في لحظة جفاف روحي , وشقاء نفسي , وضيق بضائقة , وعسر من مشقة . . واجهتني في ذات اللحظة . ويسر الله لي أن أطلع منها على حقيقتها . وأن تسكب حقيقتها في روحي ; كأنما هي رحيق أرشفه وأحس سريانه ودبيبه في كياني . حقيقة أذوقها لا معنى أدركه . فكانت رحمة بذاتها . تقدم نفسها لي تفسيراً واقعياً لحقيقة الآية التي تفتحت لي تفتحها هذا . وقد قرأتها من قبل كثيراً . ومررت بها من قبل كثيراً . ولكنها اللحظة تسكب رحيقها وتحقق معناها , وتنزل بحقيقتها المجردة , وتقول:هأنذا . . نموذجاً من رحمة الله حين يفتحها . فانظر كيف تكون !
إنه لم يتغير شيء مما حولي . ولكن لقد تغير كل شيء في حسي ! إنها نعمة ضخمة أن يتفتح القلب لحقيقة كبرى من حقائق هذا الوجود , كالحقيقة الكبرى التي تتضمنها هذه الآية . نعمة يتذوقها الإنسان ويعيشها ; ولكنه قلما يقدرعلى
تصويرها , أو نقلها للآخرين عن طريق الكتابة . وقد عشتها وتذوقتها وعرفتها . وتم هذا كله في أشد لحظات الضيق والجفاف التي مرت بي في حياتي . وهأنذا أجد الفرج والفرح والري والاسترواح والانطلاق من كل قيد ومن كل كرب ومن كل ضيق . وأنا في مكاني ! إنها رحمة الله يفتح الله بابها ويسكب فيضها في آية من آياته . آية من القرآن تفتح كوة من النور . وتفجر ينبوعاً من الرحمة . وتشق طريقاً ممهوداً إلى الرضا والثقة والطمأنينة والراحة في ومضة عين وفي نبضة قلب وفي خفقة جنان . اللهم حمداً لك . اللهم منزل هذا القرآن . هدى ورحمة للمؤمنين . . .
تصويرها , أو نقلها للآخرين عن طريق الكتابة . وقد عشتها وتذوقتها وعرفتها . وتم هذا كله في أشد لحظات الضيق والجفاف التي مرت بي في حياتي . وهأنذا أجد الفرج والفرح والري والاسترواح والانطلاق من كل قيد ومن كل كرب ومن كل ضيق . وأنا في مكاني ! إنها رحمة الله يفتح الله بابها ويسكب فيضها في آية من آياته . آية من القرآن تفتح كوة من النور . وتفجر ينبوعاً من الرحمة . وتشق طريقاً ممهوداً إلى الرضا والثقة والطمأنينة والراحة في ومضة عين وفي نبضة قلب وفي خفقة جنان . اللهم حمداً لك . اللهم منزل هذا القرآن . هدى ورحمة للمؤمنين . . .
الدرس الثالث:3 تذكير الناس بخلق الله ورزقه لهم
ونعود بعد تسجيل هذه الومضة إلى سياق السورة . . فنجده يؤكد في الآية الثالثة إيحاء الآيتين الأولى والثانية ; فيذكر الناس بنعمة الله عليهم ; وهو وحده الخالق وهو وحده الرازق . الذي لا إله إلا هو ; ويعجب كيف يصرفون عن هذا الحق الواضح المبين:
(يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم . هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض ? لا إله إلا هو . فأنى تؤفكون ?). .
وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ (4) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7)
ونعمة الله على الناس لا تتطلب إلا مجرد الذكر ; فإذا هي واضحة بينة يرونها ويحسونها ويلمسونها , ولكنهم ينسون فلا يذكرون .
وحولهم السماء والأرض تفيضان عليهم بالنعم , وتفيضان عليهم بالرزق ; وفي كل خطوة , وفي كل لحظة فيض ينسكب من خيرات الله ونعمه من السماء والأرض . يفيضها الخالق على خلقه . فهل من خالق غيره يرزقهم بما في أيديهم من هذا الفيض العميم ? إنهم لا يملكون أن يقولوا هذا , وما كانوا يدعونه وهم في أغلظ شركهم وأضله . فإذا لم يكن هناك خالق رازق غير الله , فما لهم لا يذكرون ولا يشكرون ? وما لهم ينصرفون عن حمد الله والتوجه إليه وحده بالحمد والابتهال ? إنه (لا إله إلا هو)فكيف يصرفون عن الإيمان بهذا الحق الذي لا مراء فيه . . (فأنى تؤفكون ?). . وإنه لعجيب أن ينصرف منصرف عن مثل هذا الحق الذي يواجههم به ما بين أيديهم من الرزق وإنه لعجيب أن ينصرف عن حمد الله وشكره من لا يجد مفراً من الاعتراف بذلك الحق المبين !
هذه الإيقاعات الثلاثة القوية العميقة هي المقطع الأول في السورة . وفي كل منها صورة تخلق الإنسان خلقاً جديداً حين تستقر في ضميره على حقيقتها العميقة . وهي في مجموعها متكاملة متناسقة في شتى الاتجاهات
الوحدة الثالثة:4 - 8 الموضوع:بين اتباع الرسول واتباع الشيطان
انتهى المقطع الأول من السورة بتلك الإيقاعات الثلاثة العميقة , بتلك الحقائق الكبيرة الأصيلة:حقيقة وحدانية الخالق المبدع . وحقيقة الاختصاص بالرحمة . وحقيقة الانفراد بالرزق .
وفي المقطع الثاني يتجه أولاً إلى رسول الله [ ص ] بالتسلية والتسرية عن تكذيبهم له , ويرجع الأمر كله إلى الله . ويتجه ثانياً إلى الناس يهتف بهم:إن وعد الله حق , ويحذرهم لعب الشيطان بهم ليخدعهم عن تلك الحقائق الكبرى , ويذهب بهم إلى السعير - وهو عدوهم الأصيل - ويكشف لهم عن جزاء المؤمنين وجزاء المخدوعين بالعدو الأصيل ! ويتجه أخيراً إلى النبي [ ص ] ألا يأسى عليهم وتذهب نفسه حسرات فإن الهدى والضلال بيد الله . والله عليم بما يصنعون .
الدرس الأول:4 - 7 تحذير الناس من الكفر والتكذيب
يخاطب الرسول [ ص ]:
(وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك , وإلى الله ترجع الأمور). .
تلك هي الحقائق الكبرى واضحة بارزة ; فإن يكذبوك فلا عليك من التكذيب , فلست بدعاً من الرسل: (فقد كذبت رسل من قبلك)والأمر كله لله , وإليه ترجع الأمور , وما التبليغ والتكذيب إلا وسائل وأسباب . والعواقب متروكة لله وحده , يدبر أمرها كيف يريد .
ويهتف بالناس:
(يا أيها الناس إن وعد الله حق . فلا تغرنكم الحياة الدنيا , ولا يغرنكم بالله الغرور . إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً . إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير). .
إن وعد الله حق . . إنه آت لا ريب فيه . إنه واقع لا يتخلف . إنه حق والحق لا بد أن يقع , والحق لا يضيع ولا يبطل ولا يتبدد ولا يحيد . ولكن الحياة الدنيا تغر وتخدع . (فلا تغرنكم الحياة الدنيا). ولكن الشيطان يغر ويخدع فلا تمكنوه من أنفسكم (ولا يغرنكم بالله الغرور). . والشيطان قد أعلن عداءه لكم وإصراره على عدائكم (فاتخذوه عدواً)لا تركنوا إليه , ولا تتخذوه ناصحاً لكم ولا تتبعوا خطاه , فالعدو لا يتبع خطى عدوه وهو يعقل ! وهو لا يدعوكم إلى خير , ولا ينتهي بكم إلى نجاة: (إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير)! فهل من عاقل يجيب دعوة الداعي إلى عذاب السعير ?!
إنها لمسة وجدانية صادقة . فحين يستحضر الإنسان صورة المعركة الخالدة بينه وبين عدوه الشيطان , فإنه يتحفز بكل قواه وبكل يقظته وبغريزة الدفاع عن النفس وحماية الذات . يتحفز لدفع الغواية والإغراء ; ويستيقظ لمداخل الشيطان إلى نفسه , ويتوجس من كل هاجسة , ويسرع ليعرضها على ميزان الله الذي أقامه له ليتبين , فلعلها خدعة
مستترة من عدوه القديم !
مستترة من عدوه القديم !
وهذه هي الحالة الوجدانية التي يريد القرآن أن ينشئها في الضمير . حالة التوفز والتحفز لدفع وسوسة الشيطان بالغواية ; كما يتوفز الإنسان ويتحفز لكل بادر ة من عدوه وكل حركة خفية ! حالة التعبئة الشعوريه ضد الشر ودواعيه , وضد هواتفه المستسرة في النفس , وأسبابه الظاهرة للعيان . حالة الاستعداد الدائم للمعركة التي لا تهدأ لحظة ولا تضع أوزارها في هذه الأرض أبداً .
ثم يدعم هذه التعبئة وهذا الحذر وهذا التوفز ببيان عاقبة الكافرين الذين لبوا دعوة الشيطان , وحالة المؤمنين الذين طاردوه:
(الذين كفروا لهم عذاب شديد . والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير). .
الدرس الثاني:8 وسيلة الشيطان في تزيين السوء لأوليائه
ويعقب على هذا بتصوير طبيعة الغواية , وحقيقة عمل الشيطان , والباب الذي يفتح فيجيء منه الشر كله ; ويمتد منه طريق الضلال الذي لا يرجع منه سالك متى أبعدت فيه خطاه:
(أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً . . . ?). .
0 التعليقات:
إرسال تعليق